السيناتور عبادة
(مقتطف من مجمع البحرين)
كان شابا عصاميا يحلق بصوته في الليالي فيستثير العشاق، ولا يستكف ان يحلق في إحدى صالونات السوق العربي، ليأكل لقمته بالحلال عند تأزم الأحوال، وفيما بين صالون الحلاقة في السوق العربي وبين حفلات الأعراس كان السيناتور يعيش تناقضاته، ولكن القدر ساقه الي تناقض عجيب، فقد رمي بحقيبته هنا في الزاوية، في وسط الدراويش، وكان (الفقير) الدرويش يقيم في الزاوية ومعه خلفاء كبار
وكان خادم التكية يراقب الشاب الفنان بتعجب وبعين ساخطة وأحيانا يعلن عن تعجبه بسؤال يخرج على شكل احتجاج، ما الذي اتي بهذا الفنان الي هنا؟؟
وهو ذات السؤال الذي يطلقه السيناتور نفسه أحيانا في حالة الغضب
أنا الجابني هنا ذاتو شنو؟؟ كان هذا قبل أن يتعودوا عليه ويتعود عليهم، ويصبح عضوا أساسيا في حلقات الذكر بأداء المدائح
وكان السؤال الذي يسأله الفنان له إجابة كبيرة، ظهرت في خدمته في المولد وفي ادبه الجم، وبسمته الدائمة كان شابا حيا يمثل أهله في الجزيرة تمثيلا طيبا بقيمهم واخلاقهم النبيلة، ويمثل تمدن اهل رفاعة ورقيهم أيضا
وفي أيام الثورة كان بعض الشباب صغار السن يشتركون في الثورة وبعد ذلك كانوا يذهبون معا الي ساحة الاعتصام
وقد كانت الزاوية تقع في اول شارع السامراب حيث أقام الثوار ترسا عظيما كان يقف كحائط سد كبير سادا طريقا العربات خوفا من مجيئي التاتشرات المحملة بالجنود
وقد وجد (الفقير) أن أحواض الزراعة التي تحمي الشجيرات خارج الزاوية قرب المزيرة الجميلة الخضراء قد زالت كلها وانتقلت بأيدي الأذرع الصغيرة لتبني حائط السد، ووجد بعض الثوار يجلسون بقرب الزاوية في مسطبة الدكان غير المكتمل في المنزل المجاور للزاوية، كانوا فيراقبون الترس من بعيد في استراحة محارب، فوجدها الفقير فرصة ليتحدث إليهم فقال لهم كيف تزيلون الطوب من احواض الزاوية ؟؟
اليس هذا بيت الله؟؟
فقال له فتي نحيفا من بينهم لا يكاد يبلغ السادسة عشر في محاولة للتبرير
يا عمنا يرضيك يجو الدعامة بالتاتشرات يضربونا وما نلقي حاجة ندسا فيها ؟؟
وجم (الفقير) وقال لا والله الروح عالية، شيلو الطوب وشيلو الزاوية ذاتا وقت جابت موت !!
كان رمضان يأتي فيحتدم التنافس، الخليفة صابر يحتل الصالون وهو لا ينام الا على غلبة وكان بعضهم يطلق عليه لقب (الفلاتي)، كناية عن التشمير للعبادة في الليل، وكان الشريف اب خف ومعه الخليفة محمد عوض يحتلون السطوح وهما يختمان القران وهم يصلون بصوت عال، كان (الفقير) يستيقظ علي قرأتهم فيقول لهم
: ما تكوركوا فينا
-نكورك ؟؟ هل القران كواريك ؟؟؟
(الفقير): لا طبعا، أعنى صوتكم عال مزعج صلوا بصوت خفيض …
وقبل ان يختم رمضان رأي اب خف انهم قد قسم عليهم مال كثير ولكن الذي اثار تعجبه هو ان (الفقير) اعطي بنفس عطائهم
أينام الليل ويعطي مثل الذين قاموا الليل هذا أمر عجيب ؟؟
فلما اخيرهم تعجبوا
فضحك (الفقير) وقال له وهو يتذكر شيخ موسي العباسي الذي كان مدده في النوم، : (أيها المحروم عندنا في النوم مثلما ترجو عند جافي النوم) وقد صارت قصيدة
كتبها في ليلة العيد، وهو لم يكن يريد أن يكون عيده هنا في الزاوية، مع إصرار اب خف عليه أن يعيد في الخرطوم ليشهد زواج اخيه وابن عمه في أم القري محطة كنكيج، لكن قدر الله أن يجبر خاطر أب خف وما شاء الله فعل
فقد أراد بشدة ان يذهب ليعيد مع أهله لكن لم يعط إذن وودع السيناتور الذي خرج قاصدا رفاعة حيث أهله، لكنه عاد بحقيبته ليعيد مع الفقير في الزاوية فقد سدت المتاريس طرق الخرطوم ولم يعد هناك سبيل للخروج، وهكذا شهد السيناتور ميلاد قصيدة هاتي من ليلي، واعجبته فأخذ يدندن بها في لحنين لحن للفقير يؤدي بالطار ولحن اخر يصلح للموسيقي، وفي صباح العيد، ذهبوا وباركوا العيد للخليفة عبد الله خليقة الزاوية والسيناتور يشدو بصوته الجميل (للخليفة سلام عاطرا ويدوم)
ويردد من خلفه ابناء الزاوية بقيادة الخليفة عامر ابن الخليفة ومعز، فكان العيد عيدين
وسبحان الله كما أتي الله لهذه القصيدة بفنانها أتي لها بمخرجها، ففي أول حلقة ذكر كان الرجل الصموت الهادئ أبوبكر الصديق وهو مخرج تلفزيوني ورجل مبدع كثير التواضع جم الإحساس يشكل حضورا جميلا، فأصر على أن يدير الكأس فخرج بعربته ومعه السيانتور الي أم درمان استديو مبارك محمد علي فولدت انشودة هات من ليلي !!
هات من ليلي
هات من ليلي واطرب الجلاس
اسقني صحوا عابقا بالكأس
……….
لا تناولني من مزيج دنان
اسقني صرفا ما بها أدران
طيبها كأريج مسكها الأنفاس
عبي لي عبي وبلا مقياس
………
لا ترم غيري من جميع الناس
لا تري غيري أيها الشماس
لا ترق فيهم قطرة من كأس
انت لي وحدي فاغلق الكراس
………
يا مدير الحان هذه ألحان
عندنا في السر مثلما الإعلان
فأت بالأفراح شنف الأذان.
وأرقي بالأرواح…. اذهب الأحزان
………
بغية الأديان …. حضرة الديان
للمصطفي العدنان واله العليان
ثم للبصري سنده الإيقان
شيخنا المعروف جامع السندان
….
بهجة الأكوان سيدي الجيلان.
بحره ملان مشرعي الوليان
الشاه يا إخوان غاية الولهان
مهاجر الأوطان حل في إيران
….
الحسين سلطان…. والكريم الدان
والمحمد غوث سيدي كسنزان
اسقني عبئ على مدي الإمكان
أغلق الأبواب يا عظيم الشأن
…….
ايها المحروم …. عندنا في النوم….
مثلما ترجو عند جافي النوم
سرنا مختوم …. خمرنا بالقوم
ليس من مأثوم ….ما بها من باس
والصلاة على من هو المعلوم
في السماء ومحمود تشفي للمكلوم
للخليفة سلام عاطرا ويدوم
بجاهة نكرم والأئمة عموم
05 يونيو2019, 05:24 ص
Share this content:
إرسال التعليق